أين تقع عكاظ؟
صفحة 1 من اصل 1
أين تقع عكاظ؟
أين تقع عكاظ؟
- أين شق المكان صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفطام؟؟
ليس لأحد أن يستعلي على الحق، أو يصم أذنيه عن الحجة، في أمر له بتاريخ هذا الدين مساس، وبأخباره علاقة، فأحق الأخبار بالتقصي، أخبار المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ومواطن تلك الأخبار أولى بالتصويب والتحقق، فهي جزء من تاريخ هذا الدين، وتاريخ الإسلام إرث المسلمين قاطبة، وفخار الأمة جمعاء، لا يحرم فيه من قول، ولا يكتفي فيه برأي شخص يخطئ ويصيب، فانتفاع الأمة بكثرة البحث والتنقيب فيه، حتى يصار فيه إلى يقين، وعكاظ لها من تاريخ البعثة نصيب، ومن أخبار المصطفى حصة، وقد لحق بها من الخيال ما وجب غربلته، ومن الهوى ما وجب اطراحه، ومن الخرص والتخليط ما وجب تنقيته، فقد قيل إنها سوق خطابية للتفاخر والتنابز، وصدقنا ذلك، مع أنه ليس بين أيدينا في هذا الشأن غير خبر النابغة وحسان والخنساء، وهو خبر غير مقنع, لو صح ولا إخاله يصح فإنه لا يعدو أن يكون حدثاً عابراً، وعكاظ لم تكن لسنة أو سنتين بل استمرت عقوداً من الزمن، إن لم يكن قروناً, ولو كانت للشعر لكان بين أيدينا مما قيل فيها من شعر, الأسفار العظام، وتوهم البعض أنها كانت لمحض التجارة، وما كان عادة العرب الحج للأسواق، ولا كان العرب من الأمن والرفاهة والترف بحيث يحجون لعكاظ من أقاصي جزيرة العرب من أجل الزبيب والطيب والأدم، والعربي لو التمس بضاعة عكاظ في سوق قبيلته لما عدمها، وهذا ينبئ أن لعكاظ شأناً آخر قامت لأجله, وإن حدث فيها تفاخر ومطارحة أشعار أو بيع وشراء، فالشعر والتجارة لا يقطع من أجلهما الفقير والمعدم آلاف الأميال، وعكاظ كان يحضرها ألوف مؤلفة من شتى بقاع جزيرة العرب، في حين كان عدد الشعراء والتجار في الجزيرة العربية في الجاهلية لا يساوي عشر معشار من يحضر عكاظ، وشأنها في هذه الجموع شأن سوقي ذي المجاز ومجنة، التي تقام زمن الحج ينتفع بها أهل الحرم ويحتاجها حجاج البيت، ولما لعكاظ من خبر في تاريخ البعثة، ولأنها ضمن المواطن التي نشأ فيها رسول الله إلى سن الفطام, واستمع إليه الجن فيها, ودعا فيها وجوه العرب للإسلام، ولقي فيها من سيئ الرد حيناً ولين القول حيناً آخر، ترجح لدي أن تنقية أخبار عكاظ من الخيال، وتحقيق موقعها الذي كانت تقام فيه، أمر محمود يرضى به كل محب لتاريخ الإسلام، ليكون من أمرها على بينة، ومن كنهها على يقين، وحتى نعرف ماهية عكاظ، لابد أن نعرف أن العرب كانت تؤمن الحاج والمعتمر ، وكانت أشهر الحج محرمة ليأمن الحاج في ذهابه وإيابه وحجه، وهي أربعة أشهر – ذو القعدة وذو الحجة والمحرم- ، أما العمرة فكانت في الجاهلية لا تقصد من أقاصي الأرض، بل كان أكثر من يقصدها أهل الحجاز, وفي خبر سرية عبدالله بن جحش وكانت في أواخر شهر رجب وهو رابع الأشهر الحرم ما يؤكد هذا القول، فقد ذُكر أن تلك السرية حين كانوا بنخلة نزلت بالقرب منهم عير لقريش فيها ابن الحضرمي، وحين رأت العير السرية هابوهم ، فأشرف لهم عكاشة بن محصن قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا عمَّار لا بأس عليكم ، نسبة إلى العمرة ، أما عكاظ فكانت تقام غالب أيام ذي القعدة، حتى إذا بقي منه أيام دفعوا منها إلى مكة ليتموا حجهم، لا يتفرقون منها إلى أوطانهم، مما يؤكد أنها كانت من مواسم الحج في الجاهلية أبطلها الإسلام، وهذا القول قال به غير واحد، وهي أطول المواسم مدة، فيها من الأصنام ما فيها، وتنحر فيها الجزر لتلك الأوثان، قال صاحب اللسان نقلاً عن تهذيب اللغة للأزهري عن عكاظ: اسم سوق من أسواق العرب وموسم من مواسم الجاهلية، وكانت القبائل تجتمع به كل سنة، وهي قرب مكة، فلما جاء الإسلام هدم ذلك ، وهذا القول والذي قبله يدلان على أن عكاظ غير بعيد عن مكة, وأنها من مواسم الحج في الجاهلية، وهناك شواهد أكثر دقة وتصريحاً وردت في الحديث، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فقد ذكر أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة في حديث يرفعه إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين من نبوته مستخفياً، ثم أعلن في الرابعة، فدعا سنتين، يوافي المواسم ، يتبع الحجاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يدعوهم أن يمنعوه حتى يؤدي رسالة ربه... ألخ، ويغلب على الظن أن قريشاً كانت تجيز بالناس في عكاظ وتدفع بها إلى ما بعدها من مناسك الحج في الجاهلية ، فقد ذكر ابن الأثير في الكامل في خبر حرب الفِجار الثانية "بكسر الفاء" أن قريشاً حين أرادت الارتحال عن عكاظ خوفاً من انتقام قيس عيلان، طلبوا من مالك بن جعفر الكلابي أن يجيز بين الناس ، ثم قال قائل منهم لمن كان في عكاظ أن قد حدث بيننا وبين قومنا بمكة حدث أتانا خبره ونخشى إن تخلفنا عنهم تفاقم الشر بينهم فلا يروعنكم تحملنا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ليس بخاف على عارف أن الحج في الجاهلية لم يكن على ما هو عليه الآن ، فلما فتحت مكة ودانت العرب بالإسلام ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، قال للناس خذوا عني مناسككم، ولهذا السبب لا يمكن إنكار أن تكون عكاظ من مواسم الحج في الجاهلية لما ورد في ذلك من الآثار ، ولا يُرد هذا القول إلا بحجة وشاهد من أثر غير مطعون فيه, ومحال والأمر كذلك أن تكون عكاظ نادة عن مشاعر الحج الأخرى, يحتاج الانتقال منها إلى ما بعدها سفر أيام, لا حجة ولا منطق لمن توهم أن عكاظ شرق مطار الحوية, أي في نجد!!, إن القول بهذا يهدم تاريخ طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعثته, وما لاقى في دعوته, فمن أخبار طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم, خبر الكاهن في عكاظ الذي طلب قتله.
في مصنف عبد الرزاق، المجلد الخامس، الطبعة الثانية، سنة 1403هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، كتاب المغازي، باب ما جاء في حفر زمزم.
بعد أن ساق قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم من قِبل الملكين، قال: وعنها " أي حليمة السعدية"، أنها نزلت به سوق عكاظ، وكان سوقاً للجاهلية بين الطائف ونخلة، كانت العرب إذا حجت أقامت بهذا السوق شهر شوال، فكانوا يتفاخرون فيه، الذي أعلمه أنه كان يقام من غرة ذي القعدة، إلى يوم 25 منه.
وفي كلام بعضهم كان سوق عكاظ لثقيف وقيس عيلان، فرآه كاهن من الكهّان فقال: يا أهل سوق عكاظ اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكاً فزاغت أي مالت به وحادت عن الطريق فأنجاه الله تعالى، وفي الوفاء. لما قامت سوق عكاظ انطلقت حليمة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرّاف من هذيل يريه الناس صبيانهم، فلما نظر إليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب، فاجتمع إليه الناس من أهل الموسم "الموسم يعني الحج" فقال: اقتلوا هذا الصبي فانسلت حليمة به، فجعل الناس يقولون أي صبي؟ فيقول هذا الصبي شيئاً شيئاً، فيقال له ما هو؟، فيقول: رأيت غلاماً والآلهة ليقتلن أهل دينكم، وليكسرن آلهتكم، وليظهرن أمره عليكم، فطلب فلم يوجد, وهنا نتساءل هل سافرت به إلى نجد لتعرضه على كاهن هذيل دون مَحْرم؟؟!!, وهل كاهن هذيل يسافر من وادي نعمان قرب عرفات إلى نجد ليعرض عليه أهل نجد وهجر صبيانهم؟؟!!.
وقد أورد أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قصة هذا الكاهن في كتابه دلائل النبوة، مجلد رقم1/ دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، طبعة 1405هـ، من رواية محمد بن زكريا الغلابي، وهو شخص متهم بالوضع, لذلك في روايته زيادات غير صحيحة، ولكنها لا تضر بما نحن بصدده من الاستشهاد, ولم يرد في روايته اسم عكاظ، وإن كان مضمون القصة يؤيد ما ورد في مصنف عبد الرزاق أنها حدثت في عكاظ المكان والزمان، فبعد أن ساق خبر الملكين وشق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بزيادات محمد بن زكريا الواضحة، قال على لسان مرضعة رسول الله، فاحتملْتُه فأتيت به منزلاً من منازل بني سعد بن بكر "من هوازن"، فقال لي الناس: اذهبي به إلى الكاهن حتى ينظر إليه ويداويه. فقال: "رسول الله": ما بي شيء مما تذكرون، وإن أرى نفسي سليمة وفؤادي صحيحاً بحمد الله. أظن هذه الجملة زيادة من محمد بن زكريا, فقال الناس: أصابه لمم أو طائف من الجن. قالت: فغلبوني على رأيي، فانطلقت به إلى الكاهن، فقصصت عليه القصة. فقال: دعيني أنا أسمع منه، فإن الغلام أبصر بأمره منكم، تكلم يا غلام، قالت حليمة: فقص ابني محمد قصته ما بين أولها إلى آخرها، فوثب الكاهن قائماً على قدميه، فضمه إلى صدره، ونادى بأعلى صوته: يا آل العرب، يا آل العرب من شرٍ قد اقترب، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه، فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم، وليكذبن أديانكم، وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه، ودين تنكرونه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قالت: فلما سمعت مقالته انتزعته من يده، وقلت: لأنت أعته منه وأجن, ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به, اطلب لنفسك من يقتلك, فإنا لا نقتل محمداً, فاحتملته فأتيت به منزلي، فما أتيت يعلم الله منزلاً من منازل بني سعد بن بكر إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر .. الخ.
نستفيد من هاتين الروايتين، إذا ضممناهما إلى بعضهما، فوائد في معرفة موقع عكاظ.
الفائدة الأولى:
أن قصة شق صدر رسول الله من قبل الملكين جرت وعمره صلى الله عليه وسلم سنتان، لأن حليمة السعدية أعادته إلى أمه صلى الله عليه وسلم قبل شق الصدر، لانقضاء الأجل, ولما رأت من بركته توسلت أن تسمح أمه بعودته معها عاماً آخر، وبعد عودته بأقل من ثلاثة أشهر نزل عليه الملكان، وكانت حادثة شق الصدر.
الفائدة الثانية:
أنها ذهبت به إلى الكاهن بمشورة نساء الحي، مخافة أن يكون أصابه لمم, وجراء حادثة شق الصدر وحادثة الكاهن أعادته إلى أمه مسرعه, ولكن أمه صلى الله عليه وسلم طمأنتها أن لا خوف عليه من الشيطان, فعادت به إلى عكاظ، وهذا يدل على أن شق صدره صلى الله عليه وسلم من قِبل الملكين كان في أيام عكاظ، أي في شهر ذي القعدة، حسب القصة التي ساقها البيهقي.
الفائدة الثالثة:
أن ديار بني سعد تقع في عكاظ، فيما يعرف الآن بوادي نخلة اليمانية, التي تمتد من غرب وادي السيل إلى مكة, حيث يصب في وادي فاطمة، بعد الاتحاد بنخلة الشامية, ولعل عكاظ كانت تقع بين الزيمة وديار بني سعد من هذا الوادي، ذلك لأن حليمة رضي الله عنها حين رأت وسمعت من الكاهن ما سمعت، تقول: فانتزعته منه واحتملته وأتيت به منزلي، وهذا يدل على أن عكاظ في منازل بني سعد بن بكر بن هوازن، فقد حملته على حقوها كعادة النساء في ذلك الزمن، لم تذكر أنها حملته على دابة، أو أنها جاءت على دابة، أو أنها جاءت مع زوجها أو مع أخ أو أب، والمرأة في ذلك الزمن لا تسافر سفراً بعيداً وحدها، لذلك لازمها اسم الظعينة حتى سميت به، فيقال لزوجة الرجل ظعينته، وأصل الظعينة الهودج على البعير الموطأ للنساء، سواء كان داخله امرأة أم لم يكن، ثم قيل للمرأة داخل الهودج ظعينة، ثم قيل لزوجة الرجل ظعينته، وأصل الظعن الانتجاع للمرعى، قال تعالى: { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ .. الآية }، وقصة مرضعة رسول الله مع هذا الكاهن، لا تدع مجالاً للشك أن عكاظ تقع في ديار بني سعد في نخلة, حيث يعمر هذا الوادي هذيل وجذيمة وهوازن, في مواضع متناثرة من الغرب إلى الشرق، لذلك ما علينا إلا أن نعرف ديار بني سعد في الجاهلية من نخلة, حيث كانت طفولته صلى الله عليه وسلم قبل فطامه، وهي غير ديارهم جنوبي الطائف, وما حملت حليمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا للإسراع به إلى المنزل لخوفها عليه، ولو كانت مطمئنة لقادته, فقد كان في سن يستطيع السير في يد أمه سير الأطفال البطيء، ولو أن رواة قصة رضاعته صلى الله عليه وسلم، ذكروا متى خرجت مرضعته من ديار بني سعد تطلب الرضعاء ومتى وصلت مكة، أو في أي ساعة من ليل أو نهار خرجت برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، ومتى وصلت ديارها، لعرفنا المسافة بين عكاظ ومكة, على وجه الدقة, كل هذا لم نظفر بطرف منه في أي كتاب، ولكن إذا اقتنعنا أن عكاظ تقع في ديار بني سعد وجذيمة، فإن من العقل والمنطق، أن تكون ديار بني سعد غير بعيد عن مكة، فلن تُسَّلم قريش فلذات أكبادها إلى قوم ليسوا في متناول أيديهم، كأن يكونوا في نجد، حيث حدد ابن بليهد عكاظ, ذلك محال لا يقول به عاقل!!, وقبل أن نقول إن تحقيق ابن بلهيد لموقع عكاظ المعتمد من قبل الجهات الرسمية, الكائن في نجد، غير صائب البتة، وتفسير خاطئ لقصيدة مكذوبة، أولاها ابن بليهد والجاسر ما لا تستحق من التقدير، سأتعرض لهذه القصيدة قبل نهاية البحث، ورغم اعتماد الدولة تحديد ابن بليهد أقول إن هذا الموقع غير صائب!!, وواجبنا أن نصدقكم أولياء الأمور, لا نكذبكم ولا نجاملكم, فالرائد لا يكذب أهله!!, وعكاظ ورد ذكرها في أشعار العرب في الجاهلية وأخبارهم، وفي السنة النبوية, فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس في تفسير أول آية من سورة الجن, أن إبليس حين حيل بين الشياطين وخبر السماء, أمر أصحابه أن يضربوا في الأرض ليعرفوا الخبر, فتوجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة, عامدين إلى سوق عكاظ, وهو يصلي بأصحابه الفجر, لقد قال إن الجن توجهوا نحو تهامة, ولو كانت عكاظ بنجد لما قال نحو تهامة, لم أسق الحديث بتمامه, فقد بدأه ابن عباس بقوله: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ, وكلمة "انطلق" تدل على قرب عكاظ, وتنفي أن يكون الأمر سفراً, وباستعراض أخبار عكاظ في الشعر العربي، قد يساعدنا ذلك في معرفة موقعه من نخلة اليمانية, أو من المشاعر على وجه التحديد.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مما ينسب للنابغة، والصواب أنه لبشر بن أبي خازم.
وبنو سواءة زائروك بوفدهم******جيشاً يقودهم أبو المظفـار
وبنو جَذِيمة حي صدق سادة******غلبوا على خبت إلى تعشار
متكنفي جنبي عكاظ كليهمـا******يدعو بها ولدانهم عرعـار
والغاضريون الذين تحملـوا******بلوائهم سيراً لـدار قـرار
برغم ما على بعض أبيات هذه القصيدة من مظنة النحلة، إلا أن بعض أبياتها تفيد في تحديد موقع عكاظ، فقد ذهب بشر بن أبي خازم يفتخر ببني جذيمة بن مدركة ليس فقط بقومه بني دودان بن أسد بن مدركة، بل بإخوتهم أبناء عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، فقد فخر ببني قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد، وهم قبيلته، وشاهدنا هنا ذكره لجذيمة بفتح الجيم وكسر الذال وسواءة, وجذيمة هم جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، وسواءة بن جشم بن سعد بن عبد مناة، وقال عن هاتين القبيلتين، متكنفي جنبي عكاظ كليهما، أي تقع ديارهما على جنبي عكاظ، أي سوق عكاظ، إذ لا عكاظ غيرها، وجذيمة هم أصحاب الغميصاء الذين أوقع بهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة، وعلم بذلك صلى الله عليه وسلم فأرسل في أثره علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، فأدركه علي فودى الدماء وما تلف من الأموال، حتى أنه كان يدي ميلغة الكلب "القرو", ولولا تجاور قريش وجذيمة لما كانت بينهم دماء, وما دامت جذيمة تسكن عكاظ كما يقول بشر بن أبي خازم, فذلك يعني أن عكاظ غير بعيد عن مكة, ومن المعلوم أن الغميصاء ماء نسبت إليه قرية من ديار هذيل أو كنانة بنخلة اليمانية غير بعيد عن مكة، وإذا أخذنا بشعر بشر بن أبي خازم يترجح لنا بل نجزم أن عكاظ تقع في ديار بني سعد وبني نصر بن هوازن وديار هذيل, والغميصاء تقع بأسفل تهامة وليس في أعلاها, ولم تكن هذيل تعمر كل وادي نخلة, كحالها الآن, بل كانت حول عرفات، يقول الطبري في رواية عن محمد بن إسحاق، قال: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث فيما حول مكة من السرايا، تدعو إلى الله عز وجل، لم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة، فوطئ بني جذيمة، وفي رواية: فلما نزلوا الغميصاء، وهي ماء من مياه بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، ويدل على قرب الغميصاء وعكاظ من مكة، أن السرايا أرسلت حول مكة, وكون الخبر يأتي رسول الله، ثم يرسل علياً، ويدرك علي خالد بن الوليد، ثم يتدارك الأمر ويقدم القود، فذلك يؤكد قربها من مكة، وديار جذيمة تحيط بعكاظ، كما يقول بشر بن أبي خازم، إن عكاظ تهامية لا محالة، وغير بعيد عن مكة، فلماذا الإصرار على أنها بنجد؟؟, أنظر لمفردات الخبر "فيما حول مكة + بأسفل تهامة" وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه, وأبو غنيم والبيهقي عن ابن عباس قال: فبعث إبليس جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين بمكة, فأي جبلين في عكاظ ابن بليهد والجاسر؟؟, وما دامت عكاظ شهدت جزءاً من طفولة رسول الله واكتهاله، فالوفاء له صلى الله عليه وسلم يوجب على المسؤولين عن أمر الآثار إعادة عكاظ إلى تهامة، فذلك الحق، وماذا تنفع نجداً وأهلها فرية تفرضها الغلبة والإجلاب اليوم, ويسقطها المنطق والحق غداً؟؟!!, يقول أبو ذؤيب الهذلي:
تؤمل أن تلاقي أم وهـب******بمخلفة إذا اجتمعت ثقيف
إذا بني القباب على عكاظ******وقام البيع واجتمع الألوف
تواعدنا الرُّبَيْق لننزلنـه******ولم تعلم إذن أني خليـف
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفي رواية للأصمعي تواعدنا عكاظ لننزلنه، وعلى هذه الرواية تكون منازل أم وهب في عكاظ، وهو يعدها إذا قامت عكاظ، أن يأتي إلى السوق، فيكون وجوده غير مستغرب، فيلتقيا في أي مخلفة وهي الطريق خلف الجبل، أو هي الطريق الفرعي أو الطريق مطلقاً، أو هي الخليف وهي الأرض التي فيها سعة تندفع إليها مياه الشعاب من مضيق بين الجبال، ولا تزال هذه الكلمة موجودة في بادية بيش، حيث تسمى مثل هذه الأرض "الخالف"، والألف والياء والواو تتعاور المواضع في لغة العرب، ومهما يكن فالبيت يوحي بأن عكاظ في منطقة جبلية لا نجدية، ولا يمكن لأبي ذؤيب أن يدعو أم وهب أن تسافر سفراً بعيداً لتلاقيه في عكاظ البليهد والجاسر رحمهما الله، وإنما عكاظ تقع في ديارها، وإذا كانت أم وهب من بني سعد بن هوازن، وهذا الذي أظنه، وذلك يزيد قصة مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضورها به عكاظ تحمله، وانصرافها به تحمله إلى بيوتهم, تأكيداً أن بيوت بني سعد في عكاظ، ومن المؤكد أن ديار بني سعد بنخلة غير بعيد عن مكة، فليست قريش من الغباء وبغض الولد، بحيث تلقي بفلذات أكبادها إلى قبيلة تسكن نجداً، على بعد شاسع, وتفصل بينها وبينهم سلسلة جبال شاهقة، لابد أن تكون قبيلة بني سعد في متناول يد قريش وتجاورها وقريباً منها، حتى يطمئنوا على أطفالهم، ولو تتبع جغرافي تضاريس عكاظ، لوجدها تطابق جبال تهامة الواطئة، كالزيمة وما حولها، ولو أننا عدنا إلى قصة شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن والديه من الرضاعة حين جاءا يبحثان عنه فزعين، وجداه على ذروة الجبل، يتبسم وينظر إلى السماء, ولا جبل في عكاظ المعتمد خطأً في الوقت الحاضر من قبل الدولة, لقد جعلوه في أرض نجدية مستوية.
الوحيد الذي جعل عكاظ في نجد، وخالف بذلك كتب السيرة الهمداني، وذلك في ثلاثة مواضع من كتابه صفة جزيرة العرب، وهذا الكتاب من أوضع الكتب قيمة بلدانية، على كثرة ما ورد فيه من أسماء مواضع، أخذها من الشعر العربي ووضعها حيث يظن ويتوهم، لا حيث يعلم ويتيقن، والنسخة التي لدي من هذا الكتاب طبعة 1423هـ - 2003م، القاهرة، دار الآفاق العربية، وقد ورد ذكر عكاظ في الصفحة 131 حيث قال: سراة الطائف غورها مكة، ونجدها ديار هوازن من عكاظ والعبر، ولا يوجد مكان اسمه العبر ناهيك عن عكاظ، وفي صفحة 286 قال عنه من أسواق العرب ولم يحدد موقعه، وفي الصفحة 334 في قصيدة من نظمه هو، واختلق لها رواية، أشبه بقصص ألف ليلة وليلة، فادعى أن جزيرة العرب أجدبت فاجتمع شعراء يستسقون بالشعر، في حين أن العرب في ذلك الزمن كانوا يستسقون بربط أعواد العشر والسلع في أذناب البقر، وإشعالها وتصعيدها في الجبال، وفي ذلك يقول أمية بن أبي الصلت:
سلع ما ومثله عشر مـا******عائل ما وعالت البيقورا
ولو علم أمية عن استسقاء بالشعر لذكره, لأنه كان يتحنف ويتوقع أن يكون النبي المنتظر.
وفي صفحة 386 ذكر عكاظ في أرجوزة ادعى أنها لشاعر اسمه أحمد بن عيسى الرداعي وقد قدم للشاعر بأسلوب يفقد القارئ الثقة في وجود هذا الشاعر، ويجعله يرجح أن الأمر محض اختلاق، وأن القصيدة من شعره هو، ومما يزيد القارئ شكاً في وجود ذلك الشاعر قول الهمداني، إن الأبناء غيروا في قصيدة الرداعي نفاسة فيه، ونسأل ما وجه النفاسة بين أبناء ملوك، وقصيدة تعدد أسماء أمكنة؟!!، ويحك يا همداني دع دعوى النفاسة، حتى يثبت وجود هذه القصيدة عند كائن من كان غيرك، وقد جاء ذكر عكاظ في قصيدة الهمداني هكذا:
سلِّ الهوى عن قلبـك المغتـاظ******والعيس تطوي الأرض بالمظاظ
مشفقـة مـن زاجـر كظـاظ******مسهلـة للخبـت مـن عكـاظ
المظاظ والمماظة، المشاقة والمنازعة والخصام الشديد، مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بابنه عبد الرحمن وهو يخاصم جاراً له فقال: لا تماظ جارك فإنه يبقى ويذهب الناس، والموضع الذي جعل الهمداني عكاظ فيه نجد مستوى، لا مشقة سير فيه ولا إسهال، وهو يقول مسهلة، وليس في ذلك الموضع إسهال من أي وجهة جاءت القافلة، إلا أن تتدلى من كبد السماء بحبال طائرة مروحية، لا شك أن الهمداني لا يدري أين تقع عكاظ، فقد دثرت قبله بأكثر من مائتي سنة، كانت سوقاً تقام في منسك من مناسك الحج هدمه الإسلام، فزالت بزوال المنسك، ولا صحة لقول من قال إنها هدمت بعد عهد الخلفاء, بل بعد حجة الوداع مباشرة, فأبو بكر وعمر وعثمان, كانوا يحجون بالناس حسب حجة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولو كان عكاظ قائماً لأنكروه ومنعوا من يحجه, وهي سوق تجارية تؤمن الحاج باحتياجاتهم من الطعام والشراب وبعض الاحتياجات، ومن المسلمات العقلية أن يحتاج الحاج وهو يقيم في منسك خمسة وعشرين يوماً إلى سوق تؤمن احتياجاته، لهذا قامت عكاظ السوق، ومن الحماقة أن نصدق أن عكاظ تقام خمسة وعشرين يوماً، ويأتيها العرب من حضرموت واليمن وتهامة، لتطارح الأشعار والتفاخر ليس إلاّ، هذا القول أكثر خرقاً من ادعاء أن عكاظ كانت بنجد، في موضعها الحالي الخطأ، وحتى نوافق على أن عكاظ بنجد, حسب قول ابن بليهد!!، لابد لنا من نفي أن تكون عكاظ من مواسم الحج، وجميع أخبار عكاظ تشير إلى أنه من مواسم الحج، وإذا كان هو كذلك فلابد أن يكون قرب مكة، أسوة بالمناسك الأخرى، ولا يمكن أن يند وحده في نجد عن مناسك حج أبينا إبراهيم، حتى وإن كان منسكاً ابتدعته مضر، لابد من مجاورته مناسك الحج حتى تقتنع العرب بزيارته، أما كون عكاظ بنخلة فقد عرفناه من الأدلة آنفة الذكر, والقول إنه بنخلة لا يكفي!!, لابد أن يكون غير بعيد عن مكة, بل نحن بحاجة أن نعرف بعد عكاظ عن مكة بالكيلومترات, لذلك لابد لنا من أثر نعرف منه المسافة بين عكاظ ومكة ولو تقديراً، وقد أجهدني البحث في النصوص عن هذه النقطة، والعيب في تدوين الأقدمين غفر الله لنا ولهم, فهم يكتبون لأجيالهم العارفين، لا لمن يأتي بعدهم، ففي قصة إيقاع خالد بن الوليد بجذيمة في الغميصاء، لم يقولوا لنا متى انطلق خالد من مكة، ومتى وصل الغميصاء، ومتى جاء الخبر رسول الله، ومتى وصل الإمام علي، أَكُلُّ ذلك في نهار واحد ، أم نهارين، أم في يوم وليلة،حتى نعرف بعد الغميصاء عن مكة مقدراً بالفراسخ أو الأميال أو البرد أو المراحل، حتى معركة حنين التي وقعت في شعب أوطاس، فقد ذكر ابن الأثير أنها وقعت قبل طلوع الشمس "في عماية الصبح" ولكن لم نعرف متى انتهت، ولا متى عاد الجيش إلى نخلة، ثم إلى الجعرانة، وإلا كنّا قدرنا بعد أوطاس عن الجعرانة، لذلك لا أجد بداً من العودة إلى حرب الفجار فقد سبق لي أن عثرت في خبرها على ما يفيد في هذا الجانب، ونشرته في مقال رفضته جميع الصحف لأني أخالف فيه أصدقاءهم من الأدباء، والدكتور أسامة أحمد سباعي الوحيد الذي وافق على نشر مقالاتي في جريدة المدينة ملحق الأربعاء، بعد أن رفضت جريدة الندوة نشر مقالاتي عن عكاظ، لمخالفة رأيي لرأي صديقنا محرر الصفحة محمد موسم المفرجي رحمه الله، أعتذر وإن كان متأخراً جداً، للأديب ابن الأديب، والصحفي ابن الصحفي، الدكتور أسامة أحمد سباعي، لما لحق به من ضغوط جراء نشر مقالاتي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قبل الاستشهاد بحرب الفجار في تحديد المسافة بين مكة وعكاظ لابد من إلقاء الضوء على وسائل المواصلات القديمة، التي جزيناها جزاء سِنِمَّار، ونبدأ بالحمير، ومنها النجيبة السريعة ومنها البطيئة السيئة، وبحكم معرفتي الخاصة أستطيع القول إن النجيبة من الحمير تقطع في الساعة مسافة ستة أكيال، وأبطؤها تقطع في الساعة أربعة أكيال ومئتي متر تقريباً، بمتوسط خمسة أكيال للحمير، أما العيس التي تنقل الأحمال، فإذا كانت مثقلة فإنها تقطع في الساعة ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أكيال وستمائة متر، وإذا كانت أحمالها معتدلة أو خفيفة فإنها تقطع في الساعة أربعة أكيال ومائة وسبعين متراً، تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، أي بمتوسط ما يقارب أربعة أكيال في الساعة.
النوع الثالث من المواصلات القديمة المطايا المذللة للأسفار "الذلايل" فإنها تقطع في الساعة ما متوسطه اثنا عشر كيلا في الساعة، هذه المعلومات من معرفتي الخاصة، ولم أجد عنها أي مبحث علمي، ولست ممن يحسن البحث في القوقل، وهذه التقديرات للسير في الأراضي المستوية في تهامة ونجد, خشنة كانت الأرض أو لينة, وتختلف في العقبات صعوداً ونزولاً.
بعد هذا أسوق للقارئ الكريم خبر حرب الفجار كما وردت في الكامل لابن الأثير وبإيجاز شديد, والفجار بكسر الفاء.
يقول ابن الأثير إن البرَّاض بتشديد الراء أحد بني ضمرة بن كنانة، قتل عروة الرحال أحد بني هوازن، في موضع يقال له تيمن ذي طلاَّل بتشديد اللام، قرب فدك, وعند آخرين بكسر الطاء وتخفيف اللام, وكانا قادمين من الحيرة، وكان ذلك في أيام عكاظ، وخشى البراض أن يبلغ الخبر هوازن فينالوا من قريش وكنانة في ديارهم، فجعل أجراً لرجل ما، وهو متوجه إلى مكة، على أن يبلغ حرب بن أمية الخبر، ويحذره قيساً، فانطلق الرجل إلى عكاظ، وخَبَّر حرب بن أمية بالخبر، فبعث حرب إلى رؤوس قريش الموجودين في عكاظ، وخبرهم الخبر، فاتفقوا على أن يأتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ملاعب الأسنة، سيد قيس عيلان، وقالوا له حدث بين نجد وتهامة، حدث لم يأتنا علمه، فأجز بين الناس، ثم قام نفر من قريش فقالوا: يا أهل عكاظ إنه قد حدث في قومنا حدث أتانا خبره ونخشى إن تخلفنا عنهم أن يتفاقم الشر بينهم، فلا يروعنكم تحملنا، ثم ركبوا على الصعب والذلول إلى مكة، فلما كان آخر اليوم أتى عامر بن مالك الخبر فقال: غدرت قريش وخدعني حرب بن أمية، والله لا تنزل كنانة عكاظ أبداً، ثم ركبوا في طلبهم حتى أدركوهم بنخلة، فاقتتل القوم فاستعلت قيس، فكادت قريش تنهزم، إلا إنها على حاميتها تبادر دخول الحرم ليأمنوا به، فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا الحرم مع الليل, من المعلوم أن طول وادي نخلة من وادي السيل إلى أن يصب في مر الظهران, خمسة وستين كيلاً أو أكثر.
بتقدير سرعة مواصلات ذلك العصر بإمكاننا أن نقدر بعد عكاظ عن مكة، فقريش من واقع القصة الآنفة، غادروا عكاظ في الساعة الثامنة صباحاً تقريباً، ولم يغادروها مبكرين جداً, حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار, هذا افتراض مني, ولم يركبوا الصعب والذلول كما تذكر القصة، بل حملوا بضائعهم على نوقهم وحميرهم، وساروا مجدين، ولكن رواحلهم مثقلة، وبالكاد سوف تقطع أربعة أكيال في الساعة.
تقول القصة فلما كان آخر اليوم أتى عامر بن مالك الخبر، وهذه الكلمة نعرفها وكانت دارجة قبل امتلاك الجميع ساعات اليد, وتعني من بعد الزوال، أو بين الظهر والعصر، فإذا افترضنا أنهم ساروا خلف قريش على المطايا السريعة وقد قدرنا أنها تسير بسرعة اثني عشر كيلاً في الساعة, وأن تحركهم كان في الساعة الثانية بعد الظهر، فإنهم سيدركون قريشاً بعد سير ثلاث ساعات، وبتوضيح حسابي, في تمام الخامسة مساءً تكون قريش قطعت 9 ساعات × 4 أكيال في الساعة = 36 كيلاً وتكون قيس قطعت 3 ساعات × 12 كيلاً في الساعة = 36 كيلاً.
ولو افترضنا أن قريشاً غادرت عكاظ الساعة 9 حتى لا تثير ريبة أحد، وقيس عيلان علمت بالخبر متأخراً وخرجت متأخرة في الثانية والنصف، فإن الحسابات ستكون كالتالي:
قريش قطعت في 7 ساعات: 7 × 4 = 28 كيلاً.
ستقطع قيس المسافة نفسها في ساعتين وعشرين دقيقة، وسوف تدركهم في الخامسة إلا عشر دقائق, بالقرب من مكة، وإذا أخذنا متوسط القراءتين: 36 + 28 ÷ 2 = 32 كيلاً.
وعلى هذا الأساس تكون عكاظ على بعد 32 كيلاً من مكة، وأظن هذا البعد هو بعد الزيمة عن مكة بالطريق القديمة طريق الدواب، ولمَ لا تكون الزيمة في عكاظ، أو تكون عكاظ فيما يجاورها, وأن تكون الزيمة هي الغميصاء التي كانت تحلها جذيمة، تغير اسمها، عذري أنني لست من أبناء المنطقة حتى أقطع في هذه المسألة.
إننا أمام خيارات أحلاهما مُر, إما أن نُكذَّب بكل ما ورد عن عكاظ في حديث حليمة السعدية وعرض رسول الله على كاهن هذيل، ونكذب بقول بشر بن أبي خازم إن عكاظ من ديار جذيمة، ونكذب بكل ما ورد في كتب السير عن أن عكاظ منسكاً من مناسك الحج، ونكذب بالفطرة الإنسانية التي لا تقبل أن تسترضع قريش أبناءها على مسيرة يومين من مكة، وبينها وبين أطفالها قبائل وشعوب، ونصدق فقط بقصيدة مكذوبة لشاعر من نسج خيال الهمداني، أو أن نكذب بقصيدة الهمداني، ونصدق بالأخبار والأشعار المتواترة, آنفة الذكر, ونقول مطمئنين إلى الحق، إن تحديد موقع عكاظ في موضعها الحالي، لا يوافق العقل ولا المنطق ولا السنة المطهرة ولا الإرث التاريخي, والتكذيب بما قاله الهمداني ضرب من الأمانة العلمية، لقد أخطأ ابن بليهد وأخطأ معه الجاسر، وهما كسائر العلماء والعارفين غير معصومين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بناء على ما تقدم، قمت بمسح للمنطقة الكائنة من عرفات، مروراً بشرائع النخل، وجارتها المقابلة لها من الشمال قرية لحيان، إلى الجسور المشرفة على الزيمة، وتبعد عن شرائع النخل أربعة عشر كيلاً بطريق السيارات الحديث, وعشرة أكيال بطريق الدواب، ثم قمت بمسح لوادي فاطمة والتقائه بالنخلتين، شرقاً إلى قرن المنازل فالبوباة، ويمكنني القول مطمئناً إن عكاظ تقع على الجال اليماني لوادي نخلة، مناظرة الزيمة، حيث يقوم الآن جسر تنحدر منه تفرعات، أحدها إلى الزيمة، وهذا الموقع هو الوحيد الذي فيه سعة لإقامة منسك مساوٍ لمساحة المناسك الأخرى، كمنى وعرفات أو قريباً منها، وهو نَزِهٌ عن مجرى السيل، فمن العقل أن لا تكون عكاظ في مجرى السيل، منسك يقام خمسة وعشرين يوماً ويكون في مسيلة الوادي، أمر لا يقبله عقل، إذ لو سال الوادي لأخذ الحاج ومتاعه، والقول إن عكاظ بنخلة لا يعني أنها بسليل الوادي، فكثير من البلدان نقول عنها إنها في وادي كيت وكيت، أي على حافته، أو تكون مواردها في ذلك الوادي، وتأمين الحاج بالماء في ذلك الموضع أمر ميسور, لأنها على حافة واد يحوي غيولاً، وأقصد نخلة اليمانية، وقرية شرائع النخل سميت نسبة إلى شرائع الماء، والشرائع جمع شريعة وهي مورد الماء، وأحسب أن هذه القرية، هي قرية بني نصر من هوازن، ومن سكانها الحاليين نسبة لا بأس بها من عقيل, أبناء عمومة بني نصر، بضم العين, وإذا نظرنا إلى موقع عكاظ المشار إليه نجده أكثر حظاً من حيث توفر المياه لقاصده، من باقي المناسك، ولن أخوض في هذا الأمر، لأن سقاية الحاج قبل الإسلام، وقبل عين زبيدة يحتاج إلى بحث مستقل، ومن جميل الصدف أن هذا الموقع الذي قدرته لعكاظ، يبعد عن مكة اثنين وثلاثين كيلاً, عين المسافة التي قدرتها نسبة إلى سرعة البهائم, ولم أقدر بعد عكاظ عن مكة بناءً على معرفتي بهذا الموقع، ولا قدرت أن عكاظ في هذا الموقع بناءً على قياس المسافة بينه وبين مكة، بل كان الأمر محض مصادفة، فقد قدرت أن عكاظ كانت فيه لسعته ونزاهته عن سيول نخلة اليمانية، ووقوعه على حافة وادي نخلة الجنوبية، ولم أجد سواه موضعاً يحوي هذه المميزات، من وادي السيل إلى نهاية وادي نخلة في مر الظهران "وادي فاطمة", وحين قمت بقياس بعده عن مكة، عن طريق شرائع النخل جاء البعد مساوياً لتقديري الآنف 36 / 32 كيلاً دون زيادة أو نقصان، بالدربين القديم والحديث, على التوالي, أي بالطريق المزفت وبطريق الدواب كما أخبرني أحد العارفين, والله ما تعمدتها بل جاء الأمر مصادفة، أصبت أم أخطأت، وقد قيض الله لي ثلاثة من قريش، هاشميين وتيمياً، وتيم قبيلة أبي بكر رضي الله عنه, أبدوا استعدادهم لمساعدتي في أي ساعة من ليل أو نهار، بأريحية أكبرتها فيهم, أسأل الله أن يزيدهم تواضعاً ورفعة، وقد علمت من أحدهم أن بعد الزيمة عن مكة بطريق الدواب في حدود اثنين وثلاثين إلى ثلاثين كيلاً، وأوقفني أحدهم على البداية الشرقية لنخلة اليمانية، وعرفني أحدهم موقع سوق المجاز بين عرفة وشرائع النخل، ولكني لن أبحث في هذا الأمر، فأفضل مني للبحث فيه، البلداني الفاضل سعد بن علي الماضي "الدرع العربي" لا يفتى ومالك في المدينة, وإذا صح هذا البحث, وأن عكاظ حيث توقعت, فإني أرجح أن بني سعد كانوا يسكنون إحدى القريتين الملاصقتين لهذا الموقع, إحداهما تسمى الخرج ويسكنها الآن أهل بيت من هذيل, والأخرى تسمى المدَّرِقة, أي المستترة, ويقال يسكنها آل القنوي, وفي هذه الجبال كانت طفولة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم, بقي لي كلمة واحدة, قد يقول البعض أين آثار عكاظ من البناء؟؟!!, وأقول له: لم يكن العرب بناة أهرامات!!, وغالب مبانيهم في الأسواق من الأدم ومن القش والجريد, وهي مبانٍ غير خالدة, ولا أفشي سراً إذا قلت لقد كانت مباني أطراف مدينة جدة قبل ستين سنة من الجريد والقش, مما يعرف بالعرش "جمع عريش", ويسمونه البُكّار.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
هذا رأيي في موقع عكاظ من الحجاز، وهذا اجتهادي، لم أكن فيه مكلفاً من أحد, بأجر أو بغير أجر, بل مبادرة مني من أجل العلم والمعرفة ليس إلاّ, لا أسأل فيه لماذا أصبت أو لماذا أخطأت؟؟!!!, فليس لأحد علي فيه فضل إلاّ العلي القدير, ورأيي كما يقال صواب يحتمل الخطأ، ورأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب، ولو وجدت الحق مع غيري في أي يوم اتبعته إن شاء الله, وقانا الله وإياكم الغوغائيين والفضوليين, وكل عيي قوال.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى